فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل {عن} بمعنى من أي يسألونك من الأنفال ولا ضرورة تدعو إلى تضمين الحرف معنى الحرف، وقرأ ابن محيصن علنفال نقل حركة الهمزة إلى لام التعريف وحذف الهمزة واعتدّ بالحركة المعارضة فأدغم نحو، وقد تبين لكم.
ومعنى {قل الأنفال لله والرسول} ليس فيها لأحد من المهاجرين ولا من الأنصار ولا فوض إلى أحد بل ذلك مفوض لله على ما يريده وللرسول حيث هو مبلغ عن الله الأحكام وأمرهم بالتقوى ليزول عنهم التخاصم ويصيروا متحابين في الله وأمر بإصلاح ذات البَين وهذا يدلّ على أنه كانت بينهم مباينة ومباعدة ربما خيف أن تفضي بهم إلى فساد ما بينهم من المودة والمعافاة، وتقدم الكلام على {ذات} في قوله: {بذات الصدور}، والبين هنا الفراق والتباعد و{ذات} هنا نعت لمفعول محذوف أي {وأصلحوا} أحوالًا {ذات} افتراقكم لما كانت الأحوال ملابسةً للبين أُضيفت صفتها إليه كما تقول اسقني ذا إنائك أي ماء صاحب إنائك لما لابس الماء الإناء وصف بذا وأُضيف إلى الإناء والمعنى اسقني ما في الإناء من الماء.
قال ابن عطية: و{ذات} في هذا الموضع يُراد بها نفس الشيء وحقيقته والذي يفهم من بينكم هو معنى يعمّ جميع الوصل والالتحامات والمودّات وذات ذلك هو المأمور بإصلاحها أي نفسه وعينه فخضّ الله على إصلاح تلك الأجزاء وإذا حصلت تلك حصل إصلاح ما يعمها وهو البين الذي لهم، وقد تُستعمل لفظة الذات على أنها لزيمة ما يضاف إليه وإن لم يكن نفسه وعينه وذلك في قوله: {عليم بذات الصدور} و{ذات الشوكة} ويحتمل ذات البين أن تكون هذه وقد يقال الذات أيضًا بمعنى آخر وإن كان يقرب من هذا وهو قولهم فعلت كذا ذات يوم ومنه قول الشاعر:
لا ينبح الكلب فيها غير واحدة ** ذات العشاء ولا تسري أفاعيها

وذكر الطبري عن بعضهم أنه قال: {ذات بينكم} الحال التي بينكم كما ذات العشاء الساعة التي فيها العشاء ووجهه الطبري، وهو قول بين الانتقاض انتهى وتلخص أن البين يطلق على الفراق ويطلق على الوصل وهو قول الزجاج هنا قال ومثله {لقد تقطّع بينُكم} ويكون ظرفًا بمعنى وسط، ويحتمل {ذات} أن تضاف لكل واحد من هذه المعاني وإنما اخترنا في أنه بمعنى الفراق لأن استعماله فيه أشهر من استعماله في الوصل ولأن إضافة ذات إليه أكثر من إضافة ذات إلى بين الظرفية لأنها ليست كثيرة التصرف بل تصرّفها كتصرّف أمام وخلف وهو تصرّف متوسط ليس بكثير، وأمر تعالى أولًا بالتقوى لأنها أصل للطاعات ثم بإصلاح ذات البين لأنّ ذلك أهم نتائج التقوى في ذلك الوقت الذي تشاجروا فيه، ثم أمر بطاعته وطاعة رسوله فيما أمركم به من التقوى والإصلاح وغير ذلك ومعنى {إن كنتم مؤمنين} أي كنتم كاملي الإيمان، وتسنن هنا الزمخشري واضطرب فقال: وقد جعل التقوى وإصلاح ذات البين وطاعة الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم من لوازم الإيمان وموجباته ليعلمهم أنّ كمال الإيمان موقوف على التوفر عليها ومعنى {إن كنتم مؤمنين} إن كنتم كاملي الإيمان.
قال ابن عطية: كما يقول الرجل إن كنت رجلًا فافعل كذا أي إن كنت كاملَ الرجوليّة، قال: وجواب الشرط في قوله المتقدم {وأطيعوا} هذا مذهب سيبويه ومذهب أبي العباس أن الجوابَ محذوف متخر يدلّ عليه المتقدم تقديره إن كنتم مؤمنين {أطيعوا} ومذهبه في هذا أن لا يتقدّم الجواب على الشرط انتهى.
والذي مخالف لكلام النحاة فإنهم يقولون إن مذهب سيبويه أن الجواب محذوف وأن مذهب أبي العباس وأبي زيد الأنصاري والكوفيين جواز تقديم جواب الشرط عليه وهذا النقل هو الصحيح. اهـ.

.قال أبو السعود:

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم:
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الانفال}
النفل الغنيمةُ سُمّيت به لأنها عطيةٌ من الله تعالى زائدة على ما هو أصلُ الأجرِ في الجهاد من الثواب الأخروي، ويطلق على ما يعطى بطريق التنفيل زيادةً على السهم من المغنم وقرئ عَلنفال بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام وإدغام نون عن في اللام. روي أن المسلمين اختلفوا في غنائم بدر وفي قسمتها فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تُقسم ولمن الحُكم فيها أللمهاجرين أم للأنصار أم لهم جميعًا؟ وقيل: إن الشبانَ قد أبلَوا يومئذ بلاء حسنًا فقتلوا سبعين وأسروا سبعين فقالوا: نحن المقاتلون ولنا الغنائم، وقال الشيوخ والوجوه الذين كانوا عند الرايات: كنا رِدءًا لكم وفئةً تنحازون إليها حتى قال سعد بن معاذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: والله ما منعنا أن نطلبَ ما طلب هؤلاء زهادةٌ في الأجر ولا جبنٌ من العدو ولكن كرِهنا أن نعرِّيَ مصافّك فيعطِفَ عليك خيلٌ من المشركين فنزلت.
وقيل: كان النبي صلى الله عليه وسلم قد شرط لمن كان له بلاءٌ أن يُنَفِّله، ولذلك فعل الشبانُ ما فعلوا من القتل والأسر فسألوه عليه الصلاة والسلام ما شرطه لهم فقال الشيوخُ: المغنمُ قليلٌ والناسُ كثيرٌ وإن تُعطِ هؤلاءِ ما شرطتَ لهم حرمتَ أصحابَك فنزلت. والأولُ هو الظاهُر لما أن السؤالَ استعلامٌ لحكم الأنفالِ بقضية كلمةِ {عن} لا استعطاءٌ لنفسها كما نطقَ به الوجهُ الأخير وادعاءُ زيادةٍ عن تعسف ظاهر، والاستدلالُ عليه بقراءة ابن مسعودٍ، وسعد بن أبي وقاص، وعليِّ بنِ الحسين وزيدٍ، ومحمد الباقر، وجعفرِ الصادق، وعكرمةَ، وعطاءٍ، يسألونك الأنفالَ، غيرُ منتهضٍ فإن مبناها كما قالوا على الحذف والإيصالِ كما يعرب عنه الجوابُ بقوله عز وجل: {قُلِ الانفال لِلَّهِ والرسول} أي حكمُها مختصٌّ به تعالى يقسمها الرسولُ عليه الصلاة والسلام كيفما أُمر به من غير أن يدخُل فيه رأيُ أحدٍ ولو كان السؤالُ استعطاءً لما كان هذا جوابًا له فإن اختصاصَ حكمِ ما شُرط لهم من الأنفال بالله والرسول لا ينافي إعطاءَها إياهم بل يحقّقه لأنهم إنما يسألونها بموجب شرطِ الرسولِ عليه الصلاة والسلام الصادرِ عنه بإذن الله تعالى لا بحكم سبَق أيديَهم إليها ونحوِ ذلك مما يُخِلّ بالاختصاص المذكورِ، وحملُ الجوابِ على معنى أن الأنفالَ بالمعنى المذكور مختصةٌ برسول الله صلى الله عليه وسلم لا حق فيها للمُنفَّل كائنًا من كان مما لا سبيل إليه قطعًا ضرورةَ ثبوتِ الاستحقاقِ بالتنفيل، وادعاءُ أن ثبوتَه بدليل متأخرٍ التزامٌ لتكرر النسخِ من غير علمٍ بالناسخ الأخير، ولا مساغَ للمصير إلى ما ذهب إليه مجاهدٌ وعكرمةُ والسديّ من أن الأنفالَ كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصةً ليس لأحد فيها شيءٌ بهذه الآية فنسخت بقوله تعالى: {فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} لما أن المرادَ بالأنفال فيما قالوا هو المعنى الأولُ حتمًا كما نطَق قوله تعالى: {واعلموا أَنَّمَا غنمتم مِن شيء} الآية، على أن الحقَّ أنه لا نسخَ حينئذ أيضًا حسبما قاله عبدُ الرحمن بنُ زيدِ بنِ أسلم بل بيّن في صدر السورة الكريمة إجمالًا أن أمرَها مفوضٌ إلى الله تعالى ورسولهِ ثم بيّن مصاريفَها وكيفيةَ قسمتِها على التفصيل، وادعاءُ اقتصارِ هذا الحُكمِ أعني الاختصاصَ برسول الله صلى الله عليه وسلم على الأنفال المشروطةِ يوم بدر بجعل اللامِ للعهد مع بقاء استحقاقِ المُنفَّل في سائر الأنفالِ المشروطةِ يأباه مقامُ بيانِ الأحكامِ كما ينبي عنه إظهارُ الأنفالِ في موقع الإضمارِ على أن الجوابَ عن سؤال الموعودِ ببيان كونهِ له عليه الصلاة والسلام خاصةً مما لا يليق بشأنه الكريمِ أصلًا، وقد روي عن سعد بنِ أبي وقاصٍ بن أبي وقاصٍ أنه قال: قُتل أخي عميرٌ يوم بدرٍ فقتلتُ به سعيدَ بنَ العاص وأخذتُ سيفَه فأعجبني فجئتُ به رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن الله تعالى قد شفى صدري من المشركين فهَبْ لي هذا السيفَ، فقال عليه الصلاة والسلام: «ليس هذا لي ولا لك اطرَحْه في القبض» فطرحتُه وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذِ سلبي فما جاوزتُ إلا قليلًا حتى نزلت سورةُ الأنفال فقال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يا سعُد إنك سألتَنى السيفَ وليس لي وقد صار لي فاذهبْ فخُذْه» وهذا كما ترى يقتضي عدمَ وقوعِ التنفيلِ يومئذ، وإلا لكان سؤالُ السيفِ من سعد بموجب شرطِه ووعدِه عليه السلام لا بطريق الهِبَة المبتدَأةِ، وحُمل ذلك من سعدٍ على مراعاة الأدبِ مع كون سؤالِه بموجب الشرط يرده عليه الصلاة والسلام قبل النزولِ، وتعليلُه بقوله: «ليس هذا لي» لاستحالة أن يعِدَ عليه الصلاة والسلام بما لا يقدِرُ على إنجازه، وإعطاؤُه صلى الله عليه وسلم بعد النزولِ وترتيبُه على قوله: «وقد صار لي» ضرورةَ أن مناطَ صيرورتِه له عليه الصلاة السلام قوله تعالى: {الانفال لِلَّهِ والرسول} والفرضُ أنه المانعُ من إعطاء المسئول ومما هو نصٌّ في الباب قوله عز وجل: {فاتقوا الله} أي إذا كان أمرُ الغنائم لله تعالى ورسوله فاتقوه تعالى واجتنبوا ما كنتم من المشاجرة فيها والاختلاف الموجِبِ لسَخَط الله تعالى أو فاتقوه في كل ما تأتون وما تذرون فيدخُل فيه دخولًا أوليًا ولو كان السؤالُ طلبًا للمشروط لمّا كان فيه محذورٌ يجب اتقاؤُه، وإظهارُ الاسم الجليلِ لتربية المهابة وتعليلِ الحُكم {وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} جُعل ما بينهم من الحال لملابستها التامةِ لبَيْنهم صاحبةً له كما جُعلت الأمورُ المضمرةُ في الصدور ذاتَ الصدور أي أصلِحوا ما بينكم من الأحوال بالمواساة والمساعدةِ فيما رزقكم الله تعالى وتفضل به عليكم.
وعن عبادة بن الصامت نزلت فينا معشرَ أصحابِ بدرٍ حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقُنا فنزعه الله تعالى من أيدينا فجعله لرسوله فقسمه بين المسلمين على السواء وكان في ذلك تقوى الله وطاعةُ رسوله وإصلاحُ ذات البين وعن عطاء كان الإصلاحُ بينهم أن دعاهم وقال اقسموا: غنائمَكم بالعدل فقالوا: قد أكلْنا وأنفقْنا فقال: ليرُدَّ بعضُكم على بعض {وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} بتسليم أمرِه ونهيه، وتوسيطُ الأمر بإصلاح ذاتِ البين بين الأمرِ بالتقوى والأمرِ بالطاعة لإظهار كمالِ العناية بالإصلاح بحسب المقام وليندرجَ الأمرُ به بعينه تحت الأمرِ بالطاعة {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} متعلقٌ بالأوامرَ الثلاثةِ والجوابُ محذوفٌ ثقةً بدلالة المذكورِ عليه أو هو الجوابُ على الخلاف المشهور، وأيًا ما كان فالمقصودُ تحقيقُ المعلقِ بناءً على تحقيق المعلقِ به، وفيه تنشيطٌ للمخاطَبين وحثٌّ لهم على المسارعة إلى الامتثال، والمرادُ بالإيمان كمالُه أي إن كنتم كاملي الإيمانِ فإن كمالَ الإيمان يدور على هذه الخِصالِ الثلاثِ: طاعةُ الأوامرِ واتقاءُ المعاصي وإصلاحُ ذاتِ البينِ بالعدل والإحسان. اهـ.

.قال الألوسي:

بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم:
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنفال}
جمع نفل بالفتح وهو الزيادة ولذا قيل للتطوع نافلة وكذا لولد الولد، ثم صار حقيقة في العطية ومنه قول لبيد:
ان تقوى ربنا خير نفل ** وباذن الله ريثي وعجل

لأنها لكونها تبرعًا غير لازم كأنها زيادة ويسمى به الغنيمة أيضًا وما يشترطه الإمام للغازي زيادة على سهمه لرأي يراه سواء كان لشخص معين أو لغير معين كمن قتل قتيلا فله سلبه، وجعلوا من ذلك ما يزيده الإمام لمن صدر منه أثر محمود في الحرب كبراز وحسن إقدام وغيرهما، واطلاقه على الغنيمة باعتبار أنها منحة من الله تعالى من غير وجوب، وقال الإمام عليه الرحمة.
لأن المسلمين فضلوا بها على سائر الأمم التي لم تحل لهم، ووجه التسمية لا يلزم اطراده، وفي الخبر أن المغانم كانت محرمة على الأمم فتفلها الله تعالى هذه الأمة، وقيل: لأنها زيادة على ما شرع الجهاد له وهو إعلاء كلمة الله تعالى وحماية حوزة الإسلام فإن اعتبر كون ذلك مظفورًا به سمي غنيمة، ومن الناس من فرق بين الغنيمة والنفل بالعموم والخصوص، فقيل: الغنيمة ما حصل مستغنمًا سواء كان ببعث أولا باستحقاق أولا قبل الظفر أو بعده، والنفل ما قبل الظفر أو ما كان بغير قتال وهو الفيء؛ وقيل: ما يفضل عن القسمة ثم إن السؤال كما قال الطيبي ونقل عن الفارسي إما لاستدعاء معرفة أو يؤدي إليها وإما لاستدعاء جدا أو ما يؤدي إليه، وجواب الأول باللسان وينوب عنه اليد بالكتابة أو الإشارة ويتعدى بنفسه وبعن والباء، وجواب الثاني باليد وينوب عنها اللسان موعدا وردا ويتعدى بنفسه أو بمن وقد يتعدى لمفعولين كأعطى واختار، وقد يكون الثاني جملة استفهامية نحو: {سَلْ بَنِى إسرائيل كَمَا ءاتيناهم} [البقرة: 211] والمراد بالأنفال هنا الغنائم كما روي عن ابن عباس. ومجاهد. وقتادة والضحاك. وابن زيد. وطائفة من الصحابة وغيرهم، وبالسؤال السؤال لاستدعاء المعرفة كما اختاره جمع من المفسرين لتعديه بعن والأصل عدم ارتكاب التأويل، ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد. وابن حبان. والحاكم من حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه وهو سبب النزول أن المسلمين اختلفوا في غنائم بدر وفي قسمتها فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تقسم ولمن الحكم فيها أهو للمهاجرين أم للأنصار أم لهم جميعا؟ فنزلت هذه الآية.
وقال بعضهم: إن السؤال استعطاء.
والمراد بالنفل ما شرط للغازي زائدًا على سهمه، وسبب النزول غير ما ذكر.
فقد أخرج عبد الرزاق في المصنف. وعبد بن حميد. وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قتل قتيلًا فله كذا ومن جاء بأسير فله كذا فجاء أبو اليسر بن عمر والأنصاري بأسيرين فقال: يا رسول الله إنك قد وعدتنا.